دستوفيسكي يسلم رواية ( المقامر ) لمركز الشرطة 2-1
محمد ابوالقاسم الككلي
فيدور دستوفيسكي 1881 -1821 عرفه القراء الروس عندما أصدر روايته الأولى ( المساكين – 1845 ) الذي استقبلها الناقد بيلينسكي ( 1848 -1811 ) بالقول ( أن موهبة دستوفيسكي غير عادية واصيلة ) وتوجه إليه قائلا ( اانت تعرف ماذا كتبت ) ‘
ثم صدرت له بعد ذلك ( المثل – 1846 ) و ( ربة البيت – 1847 ) و ( الليالى البيضاء 1848 ) ‘
وما بين الستينيات و السبعينيات كتب رواياته التي شكلت أهم مرحلة من تاريخ الأدب الروسي والعالمي وهي : الجريمة والعقاب – 1866، الابله – 1868، الابالسة – 1871، المراهق – 1875، الاخوة كارامازوف – 1879 ‘
وانا هنا لست بصدد الحديث عن حياته وانتاجه الأدبي والأثر الذي تركه على المستوى العالمي ويكفي هنا الإشارة إلى ما قاله الكاتب المكسيكي اوكتافيو باث ( أن الأجيال المتتالية تقراء أعماله لا باعتبارها مؤلفات أدبية، بل بوصفها دراسة للطبيعة الإنسانية، ويتصور مئات آلاف القراء في شتى أنحاء العالم أبطاله وكأنهم معارفهم القدامى )
حديثنا هنا يقتصر عن قيام دستوفيسكي بتسليم رواية ( المقامر ) إلى مركز الشرطة وأسباب وظروف ذلك التسليم ‘
في عام 1858 م سمح لدستوفيسكي بالعودة إلى بطرسبرغ ومزاولة الكتابة بعد أن استعاد لقب النبالة الذي كانت المحكمة قد جردته منه، تم ذلك بعد جلوس القيصر الجديد ( ألكسندر الثاني ) على العرش
وكان قد تم إلقاء القبض على دستوفيسكي عام 1849 وقدم إلى المحاكمة بتهمة ( التحريض الإجرامي ) إذ كان منتميا إلى جماعة عرفت بأسم ( البتراشيفسكيين ) نسبة إلى مؤسسها ( بتراشيفسكي ) حيث كان هولاء الشبان يناقشون في حماسة أفكار حول تحرير الفلاحين والاشتراكية الطوباوية القادمة من الغرب ‘
يقول ايغور فولغين في مقال له ( يوما في حياة دستوفيسكي ) ( ففي 22 ديسمبر 1849 اقتيد دستوفيسكي مع بقية أعضاء الجماعة إلى ساحة إعدام مطوقة بالقوات، وعلى وقع دقات الطبول نزعة عنهم البدلة الرسمية والبسوا قمصانا بيضاء طويلة، وقرىء عليهم حكم الإعدام رميا بالرصاص، واوثق ثلاثة منهم إلى أعمدة خشبية مغروزة في الأرض، وكان دستوفيسكي ينتظر دوره في المجموعة الثلاثية / الثانية، ووقف أمام كل منهم عدة جنود شاهرين سلاحهم، وظل المحكومين ينتظرون تنفيذ الحكم في صقيع يبلغ عشر درجات تحت الصفر، ثم يظهر فجأة فارس في الساحة وقرىء على المحكومين بالإعدام الأمر القيصرى بتخفيف الحكم إلى الأشغال الشاقة لمدة أربع سنوات وان يلحق كل منهم جنديا بكتائب المشاة في سيبيريا ‘)
في عام 1864 م تلقى دستوفيسكي ضربات موجعة فقد ماتت زوجته الأولى الذي كان قد تزوجها في سيبيريا، وكان زواج غير موفق ‘
بعدها مات شقيقه الأكبر ميخائيل الذي كان بمثابة صديقه الوحيد تقريبا، حيث تولى دستوفيسكي رعاية أسرته، وفوق ذلك انتقلت إليه ديون شقيقه المتراكمة على صحيفة ( العصر ) التي سرعان ما توقفت هي الأخرى عن الصدور بسبب ضغوط الدائنين وتناقص عدد المشتركين ‘
خلال عام 1865 سعى دستوفيسكي جاهدا للبحث عن المال ويقول في أحد رسائله التي كتبها في تلك الفترة انه مستعد للموافقة على العودة إلى الأشغال الشاقة مرة أخرى شرط ان يتمكن من تسديد ديونه ‘
في عام 1866 يشرع في كتابة رواية ( الجريمة والعقاب ) وهو خارج روسيا ‘
وفي هذه الأثناء يوقع عقد مع الناشر ( ف ستيللوفيسكي ) الذي يتعهد فيه بنشر أعمال دستوفيسكي مقابل ثلاثة آلاف روبل، الأمر الذي كانت له أهمية خاصة بالنسبة له، ووفقا لشروط العقد كان على دستوفيسكي أن يقدم لستيللوفسكي – بالإضافة إلى أعماله السابقة – رواية جديدة لا يقل حجمها عن ( 12 ) ملزمة ‘ وفي حالة ما إذا أخل الكاتب بهذا الشرط يصبح من حق الناشر إصدار جميع مؤلفات دستوفيسكي لمدة تسع سنوات قادمة دون أن يدفع له شيئا ‘
هذا العقد كان بمثابة المقامرة بمستقبله كله ‘