شلل الثقافة العربية
قبيل فترة وجيزة انهيت رواية (جارية) للكاتبة منيرة سوار ، احببت الى حد كبير الرواية، وكيفية السرد والبساطة في المفردة، وكيفية ايصال المعلومة، واكثر ما شد انتباهي القضية التي تناولتنها الكاتبة والمتمحورة حول بحث البعض عن ذاتهم المفقودة بين طيات الحياة، ذلك البحث العشوائي والذي غالبا ما ينتج نفسا محطمة تحاول جاهدة التأقلم عبر دراما تراجيدية تمثلها تلك الشخصيات التي انهكتها العنصرية. واللافت للنظر ايضا حجم الطبقية المتفشية في عدد من المجتمعات العربية واسمحوا لي ان اضع قاب قوسين المجتمع الخليجي، المنبثقة عنه الرواية وكاتبتها، مما يجعلنا واقفين فاغري الفاه نتسائل (في اي عصر نحن) ونتسائل ايضا هل تجاوزنا 1400 عام ام اننا ما قبل ذلك، فأن يقفز علينا شبح العبودية والعتق بهذه الطريقة المخيفة عبر كتب الادب فتلك مصيبة، وان يتجاوب معها مجتمع ما فالمصيبة اكبر. اذا ما فائدة الابراج الشاهقة والمعمار الاخاذ ، اذا ما كانت البصيرة لم تتجاوز قيد انملة، فدول العالمين الاول والثاني يتحدثون عن ظاهرة الاحتباس الحراري ونحن لازالنا نحاول الخروج من قارورة التخلف . اسئلة كثيرة تدور في ذهن كل متدبر في هذه القضية، ولعل ابرزها هل ترتكز الثقافة العربية على مقومات فكرية وقيم يجعلانها تمضي في بناء مشروع حضاري، يرتكز على أسس الحرية والعدالة والمساواة للإنسان العربي، أسوة بتلك الشعوب الحرة التي اكتسبت ثقافة حقيقية مؤثرة، بعد أن استطاعت الإنتصار على قيودها بفعل انحيازها للقيم الإنسانية العظيمة، وأصدرت تشريعات ودساتير هدفها الحفاظ على كرامة الإنسان، وتعزيز حقوقه الأساسة، تستمد قيمها من مبادىء العيش الحر والبناء السليم للأمم وإنجاز التطور الحقيقي ؟ الاجابة وبصوت عالٍ ستكون لا، فالمعضلة الاساسية اليوم تكمن في المثقف العربي في حد ذاته والذي انطلق يتخبط في فضاءات عدة يبحث لنفسه عن هوية بعد ان فقدها في غياهب اللا معلوم في ظل عولمة اقتحمت حياته، فتهاوى الشعر بعد ان اصيبت كلماته بالشلل، وانقرض المسرح اثر تناوله لقضايا ضعيفة فانصرف متابعيه الى ساحات اخرى اقل قيمة منه، وهبطت الاغنية الى حد القاع، ويرجع السبب في كلذلك الى قلة القراءة والاعتماد على معلومات(الوجبات السريعة) المنتهلة من الانترنت، مما احدث فجوة ثقافية وازمة معرفية وانعدام وانحطاط للثقافة في العالم العربي. ان هذا المقال لا يقع ضمن دائرة ايجاد حلول لمشكلات انعدام الهوية الثقافية وانحدارها بقدر ايجاد اسئلة تفتح بصيرة القارئ عن اسباب هذا التشوه الفكري. ان ثقافتنا العربية اليوم ونقول ذلك بمرارة، غارقة في نرجسيتها ومصابة بالحول بل وعمى الالوان ايضا، حيث صبت جل سقطاتها في عدائها للغرب مما جعلها غير قادرة على التنفس، ويدفع ثمن ذلك ابناءها المقتاتون على فتات النخب، مما خلف اعاقة فكرية ادت الى ازمة اخلاق. للاسف فان عقول غالبيتنا قد تكلست وتحجرت والدليل ان الأسئلة الفلسفية والفكرية الكبرى والهامة قد تحولت من كونها متعة للحراك العقلي والمعرفي ، إلى التسطيح البليد في تفسير الظواهر، وكذلك تحولت الفنون المختلفة من النشاط والفعل الروحي والوجداني العميق، من شيء له بهجة التصوف، إلى سلعة تتحكم فيها قواعد السوق والاستهلاك، وأصبح المطلوب سلعاً خفيفة تخاطب الحواس لا الفكر، ولا تترك أي أثر بعد استخدامها؛ حتى تتيح مجالاً لسلع أخرى تنتظر أن يتم استخدامها. وفي ظل كل ما ذكر فلا امل في تعديل او تقويم الا بدق طبول الخطر لينتبه الجميع لما يحدث
فيحاء العاقب