“الرائدات” إصدار جديد للكاتبة المغربية فاطمة بوهراكة
“100 شاعرة من العالم العربي
من أجل التعريف بالهويّة الشعريّة لشاعراتنا، وإكسابه بعدًا عالميًا وحضاريًا.
تقول الكاتبة المغربية، فاطمة بوهراكة، عن إصدارها الجديد “الرائدات” انه دفعني شغفي الكبير، وإيماني العميق بأهمية التوثيق ودوره في حفظ الموروث الشعري العربي إلى تحدّي كل الصعاب والمشاق النفسية والصحية والمادية، والتفكير في أعمال تخدم الحرف واللغة والأمّة، وليس التفكير فحسب، بل شرعت في تطبيق الفكرة، وجعلتها واقعًا ملموسًا، ولعلي هذه المرة قد ظفرت بفكرة أصفها بالجريئة والحساسة، إنها فكرة الريادة في طباعة أول ديوان شعري نسائي، وهدفت منها وصل حلقات سلسلتي في مجال التوثيق الشعري النسائي المعاصر، ولأتمّم ثلاثيّتي التوثيقية المتمثلة في :
– “100 شاعرة من العالم العربي: قصائد تنثر الحب والسلام”، وهو كتاب توثيقي تَضمّن نصوصًا عن الحب والسلام لشاعرات من أغلب وطننا العربي، وقد حرصت على ترجمته إلى اللغات الأخرى، الفرنسية (ترجمة الأستاذة فاطمة الزهراء العلوي)، والإنجليزية (ترجمة الدكتورة سعاد السلاوي)، والإسبانية (ترجمة الأستاذة ميساء بونو)، من أجل التعريف بالهويّة الشعريّة لشاعراتنا، وإكسابه بعدًا عالميًا وحضاريًا.
– “موسوعة الشعر النسائي العربي المعاصر (1950/2020م)” والذي جمع بين دفّتيه 1011 شاعرة، من مبدعات حرف الضاد خلال السبعين عامًا الماضية، وهدفت منه التوثيق لشاعرات هذا العصر، والتعريف بمنجزهن الشعري، وإغناء المكتبة العربيّة بهذه النوعيّة من الكتب التي تعرف ندرة واضحة.
ويأتي كتابي هذا المعنون “الرائدات في طباعة أول ديوان شعري نسائي عربي فصيح”، ضمن هذه الثلاثية التوثيقية، لكنه أكثر تخصيصًا، فقد حدّدتُ مساره بصفة الريادة الشعرية والإخراج الطباعي عند جيل الشاعرات المعاصرات بين سنوات (1867م و2010 م.)
إن صفة الريادة في طباعة أول ديوان نسائي داخل أي قطر من أقطارنا العربية في تلك المرحلة ليس بالأمر الهيّن، بل يتطلب إصرارًا وجهدًا كبيرًا لكي يخرج إلى حيّز الوجود، لأن سياسة التطرف والمغالاة في المجتمع وأسلوب الخنق العائلي المتمثلَين في إسكات صوت المرأة الشعري وإلجامه، ووضع القيود والحواجز أمام إبداعها، جعل هذه الأقلام النسائية مكبّلة وعاجزة عن طباعة ما تفيض به مشاعرها، لهذا لم نجد سوى قلّة من الشاعرات اللواتي ظفرن بطبع دواوينهن، بعد أن تمكنّ من مواجهة هذه الضغوطات، والتغلب عليها، والقفز على الحواجز المجتمعية المقدسة، فحالفهن الحظ في طبع أعمالهن الشعرية .
لقد أكسبتني رحلتي البحثية، وعمليات الحفر والتنقيب في منجز شاعرات هذه الحقبة، وتحديدًا في أوائل دواوينهن المطبوعة، الحصول على الكثير من المعلومات القيّمة التي سيجدها القارئ بين دفّتَي العمل. كما توصلتُ إلى مجموعة من المعطيات والقواسم المشتركة بين الشاعرات الرائدات، أجملها في الآتي:
– الانتماء إلى أسر مثقفة ومشجعة على الثقافة والفكر الحر في زمن اعتبر طلب العلم بالنسبة للنساء نقيصة، وعيب من العيوب، كما جاء في شهادة إحدى الرائدات (تعليم البنت يٌفسدها..)، ولهذا، فإن امتلاك المرأة ديوانًا شعريًا مطبوعًا آنذاك يعتبر تمردًا وخروجًا عن المألوف، لكنه يُشكّل منجزًا حقيقيًا قلّ نظيره.
– ثراء الأسرة التي تنتمي إليه الشاعرة .
– نهج طريق النضال المستمر، والتضحية بالغالي والنفيس لحمل مشعل هذه الريادة.
لقد اجتهدتُ بكل الطرق وشتى الوسائل، ونبشتُ ما استطعت في الذاكرة الشعرية والحياتية لمعرفة الشاعرات المتألقات اللواتي استطعن طباعة أول ديوان شعر بحرف الضاد، وكيف استطعن نحت أسمائهن في صخر الإبداع، وخلّدن ذكرهن في مضمار السبق والريادة، في زمن شهد الهيمنة الذكورية، واحتكار القيادة في ميدان الفكر والعلم والأدب والثقافة.
لقد انطلق هذا الجهد التوثيقي من هوسي المعتاد في الإبحار في محيطات القصيد، وملامسة المناطق المغيّبة والقضايا الحساسة، وقد حرصتُ كل الحرص على الوصول إلى المعلومة الصحيحة والدقيقة .
في الختام، أتقدم بجزيل الشكر والتقدير للأيادي البيضاء التي ساهمت في إيصال المعلومة بشكلها الصحيح، وساهمت في نقلها إلى عموم المثقفين والمهتمين بالشأن الشعري، وأخصّ في المقام الأول الشاعرات اللواتي ما زلن على قيد الحياة واللواتي تواصلت معهن بشكل مباشر، أو عوائل الشاعرات الراحلات مِمن قدموا شهاداتهم عن حياة ذويهم، وإبداعهم، وعرّفوني أكثر بمحيطهم الذي ترعرعوا فيه، وأخصّ بالذكر:
الأستاذة الأديبة سها الملائكة شقيقة الشاعرة الراحلة نازك الملائكة.
الأستاذة زينب بشير أخت الشاعرة الراحلة زبيدة بشير .
الأستاذة وئام والدكتورة وسام ابنتا الشاعرة الراحلة كوثر نجم.
الدكتورة ريما الكيلاني ابنة شقيقة الشاعرة الراحلة فدوى طوقان.
الأستاذة دانة ملحس ابنة ابن شقيق الشاعرة الراحلة ثريا ملحس.
الإعلامية والفنانة التشكيلية فاطمة نبيل حفيدة الشاعرة الراحلة ميمونة أبو بكر الحامد، ومركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة بتونس (الكريديف) متمثلًا في مديرته العامة الأستاذة : نجلاء العلاني بوحولة ومنسقة جائزة زبيدة بشير الأستاذة سلاف بن فريخية.
كل الشكر والتقدير أيضا للإخوة والأخوات: الدكتور المكاشفي إبراهيم عبد الله، الأستاذة هانم علي التوم، الشاعرة والإعلامية ماجدة داغر، الأستاذة حنان شقرون، الشاعرة ريم القمري، الشاعرة مريم كعبي، الكاتب والإعلامي علي المسعودي، الشاعرة كفا الغصين، الشاعرة لانا سويدات، الشاعرة ريم قيس كبة، الشاعرة لينا إبراهيم الذين واللواتي لم يبخلوا/ ن عليّ بتقديم المساعدة والعون.
والشكر موصول أيضا لشاعراتنا الرائدات اللائي على قيد الحياة على رحابة صدورهن، و تحملهن إزعاجي المتواصل طيلة أشهر البحث، و أنا بصدد التنقيب عن معلومات دقيقة وحصرية، منها ما سينشر لأول مرة، وأكبر فيهن كذلك ثقتهن الكبيرة في شخصي المتواضع لإيصال سيرهن الأدبية التي تَعرّض بعضها للتشويه والترويج كذبًا في وسائل التواصل الاجتماعي، وفي بعض الكتب التي أصبحت مع الأسف مرجعًا لبعض الباحثين والطلبة، والتي أرجو أن أكون قد وفقت في تصحيح جزء كبير منها .
لقد فضلت في هذا العمل ترتيب الشاعرات بتطبيق منهجية خاصة، تعتمد على السبق والريادة في طباعة أول ديوان، بدل الترتيب الأبجدي المتعارف عليه.
وبما أن فكرة الشاعرات الرائدات طباعة ظهرت لأول مرة وبشكل حصري في هذا الكتاب، فقد أدرجت فسحة من نور التوثيق الفوتوغرافي من خلال صورهن الشخصية أو الأدبية، وبعض من منجزهن الذي حضر في شكل قصائد أو أبيات موثقة بخط اليد .
أتمنى أن يكون هذا الكتاب قيمة مضافة للمشهد الثقافي العربي بصفة عامة، ولمجال التوثيق الشعري المعاصر بصفة خاصة، وأرجو من الله أن أكون قد قدمت عملًا مفيدًا للأمة، وأسأل الكريم لي ولكم ولكنّ التوفيق والنجاح.