نبض الشارع
لنؤسس للمستقبل منذ الآن لكسب الوقت والرهان … !!
ليبيا حباها الله بموقع استراتيجي يتوسط العالم ، وبرقعة جغرافية ، تحتضن الكثير من المقومات الطبيعية الجاذبة التي لا تحتاج إلا لبعض المكملات الأساسية ، لتصبح وجهة للسياحة العالمية ، فالبحر الذي يمتد شاطئه قرابة الألفي كيلومتر ، صاخب بالتنوع ، تجد فيه أفضل الأماكن المناسبة للسياحة ، وأخرى رائعة لهواة الغطس والصيد وكافة الرياضات البحرية ، صحاري هذا الوطن هي الأخرى فسيفساء من الرمال والجبال والعيون والواحات المليئة بالحياة والإبداع الفني ، أمكنة تلائم طالبي الراحة النفسية والتأمل ، وطالبي العلاج من أمراض البرد ، مثلما هي أمكنة تستهوي سكان المناطق الباردة الباحثين عن الدفء وحمامات الشمس .
فوق هذا لدينا إمكانية الاستثمار في السياحة الدينية ، والتاريخية ، لدينا أثار حبلى بالجديد والمتميز وبآلاف الحكايات الفينيقية والإغريقية والرومانية ، عدا المخزون الثقافي المحلي والتراث الذي يتميز بالتنوع .
ليس مبالغة أو تفاؤل أو نظرة حالمة للحياة فوق هذه الأرض ، بل هي حقيقة ساطعة نوليها ظهورنا حينا ، ونتفرج عليها أحايين أخرى ، هي ثروة متاحة لا نود استثمارها ، بل ربما لا نعرف كيف نستثمرها ، وربما نحجم عن استثمارها بفعل تأثير الثروة النفطية على تفكيرنا وأسلوب حياتنا باستسلامنا الطوعي للبحبوحة التي جلبتها براميل النفط .
يحدث هذا ، ولم نكلف انفسنا الاستفادة المثلى من جيراننا شرقا وغربا ، الذين لهم باع طويل في هذه الصناعة على الرغم من محدودية المقومات الطبيعية اللازمة لها ، قياسا بما يتوفر منها ببلادنا ، هم نجحوا في إثراء الصناعات التقليدية كما وكيفا ، وأنشأوا المنتجعات والفنادق والمدن السياحية العملاقة ، وفيها نجد كل الخدمات متوفرة التي تقدمها كوادر ماهرة جرى تأهيلها وتوظيفها ، حيث لا مشكلة في السكن ، ولا في المواصلات ، ولا في الأكل ، ولا في الأريحية التي يبحث عنها السائح قبل أي شيء آخر .
أنشئت للسياحة وزارة أكثر من مرة ، ولكن ناتجها على الأرض لم يتجاوز مشاركات المجاملة في المعارض والمنتديات والمهرجانات السياحية التي تقام في الخارج ، ورعاية ما يقام منها بالداخل ، وكم من شركات السياحة التي لا يزيد دورها عن بيع تذاكر السفر، وإجراءات تأشيرات السفر لطالبيها ، وترتيب رحلات العمرة ، أو بعض الخدمات التقليدية الأخرى من تأجير سيارات وحجز فندقي !!.
فهل تحظى هذه القيمة الاقتصادية المطموسة بما تستحقه من اهتمام منذ الآن ، ونظرة موضوعية تعطيها حقها بعيدا عن التقييم العاطفي ، الذي ربما كان وما زال سببا من أسباب عدم التفكير العملي في جدواها وآثارها الإيجابية على الاقتصاد الليبي ؟ .
سوف تعود ليبيا إلى ليبيا ، وسيسود الأمن ، وتستقر الأحوال ذات نهار ، لذا على الجهات المعنية بالشأن الاقتصادي عدم الاستسلام للواقع وآثاره الراهنة ، بل عليها أن تؤسس للمستقبل منذ الآن لكسب الوقت والرهان .
إدريس أبوالقاسم