اذياب لوجلي.. رجل الحكمة والذكاء
بقلم/ منى بن هيبة
الشيخ اذياب لوجلي بن عثمان، ولد عام 1903 بهراوة، عاش فيها واكتسب صفات الرجل البدوي واستمد الصفات الطيبة والخصال الحميدة من صحرائها الشاسعة، انشغل بتربية الإبل وهو بهذا لم يخالف عادة أولاد سليمان في كسب الإبل والتجارة بها إلى جانب اشتغالة بتجارة القماش، تغذى على لبنها فمنحته القوة، كما ساهمت في منحته الصبر وقوة التحمل وثبات الموقف.
ينحدر من سلالة المساعيد المندرجة تحت بيت الشريدات، حيث كانت الزعامة للمساعيد لفترة طويلة من الزمن، وكما نعلم جميعنا أن المشيخة تعطى بالوراثة، فقد تولى لوجلي أمور القبيلة بعد تدهور الأوضاع الصحية لابن عمه الشيخ هيبة الميهوب، وبتكليف رسمي تسلم ( الشوخة) لقبيلة أولاد سليمان عام 1940م وأدى دوره الاجتماعي على امتداد أربعة وخمسين عاما حتى وافاه الأجل المحتوم، لأن الإبن الوحيد للشيخ هيبة الميهوب وهو محمد كان حينها طفلا صغيرا دون سن السابعة من العمر، لهذا ورث لوجلي عن ابن عمه الزعامة، وقد اختاره الشيخ هيبة خلفا له دون النظر لعمره، معتبرا أن المشيخة لا تؤخذ بالمرحلة العمرية بل تعطى لمن توفرت فيه صفات الشيخ، فقد كان اذياب أوسط أخوته حمد وعثمان، وكان حمد يكبره بعامين، حيث درس في زاوية النجع بهراوة لتحفيظ وتعليم القرآن الكريم ثم تعلم القراءة والكتابة على يد أحد الفقيه مختار مازن في هون، عرف بين الناس بذاكرة خارقة ولعل روايته للسيرة الهلالية عن ظهر قلب هي واحدة من الشواهد الحية على قوة ذاكرته، ويقال أن ما التقطته ذاكرته من مشاهد وأحداث ظل محتفظا بها حتى الممات فقد كان شاهد عصر على الكثير من الوقائع والأحداث والمعارك التاريخية التي خاضها أولاد سليمان وغيرهم من القبائل الليبية ضد الأعداء أيضا تم توثيق رواياته الشفهية لدى مركز الدراسات التاريخية واعتماده لدى المحاكم الشرعية بأوجلة وسرت لتدوين الكثير من الأحداث.
أمه هي رابحة الذايخ عبدالجليل المغربي، عاش بين أسرته الصغيرة مع أبويه شقيقيه حمد وعثمان، تنقل بين المناطق الوسطى وصولا إلى بعض المناطق الشرقية المتمثلة في اوجلة وما جاورها متتبعا منافذ التجارة، تعرض للعديد من الضغوط الاقتصادية التي مورست على التجار بل تم منعه من بيع بضاعته في أوجلة كما تم تهجيره قسرا خارج حدود الوطن وكان وجهته هو وابن عمه مفتاح حسن عثمان إلى السودان ومكثوا فيها فترة ليست بالطويلة، حيث كانت تربطهم علاقات واسعة بالعديد من الشخصيات البارزة في حركة الجهاد الليبي ولعل أبرزهم الشيخ عبدالجليل سيف النصر كما كانت بينهم عدة مراسلات باعتبار أن الشيخ كان متعلما ويجيد الكتابة والقراءة، فاجتمع هو ورفاقه المهجرين في السودان من قبيلة أولاد سليمان، ورفلة، القذاذفة، جماعات، عمامرة وطوابين وبعض سكان سرت، وقاموا بإرسال مذكرة للملك إدريس السنوسي، ووزارة ليبيا والجمعية التأسيسية عام……. طالبوا فيها بعودة المهجرين إلى سرت وعلى رأسهم الشيخ اذياب؛ وإعادة ممتلكاتهم المنهوبة من قبل القوات الفرنسية آنذاك، فتم عقد عدة مفاوضات مع الفرنسيس أفضت بقرار عودتهم إلى الوطن.
تابع بقية حياته داخل ليبيا في منطقة هراوة، واستقر لفترة من الزمن في منطقة بن جواد حتى أواخر السبعينات، تزوج من إحدى حرائر قبيلة العريبات وهي السيدة رقية بوقرناص، لم يرزقه الله بالذرية، ولكن عوضه القدر بالأبوة بوجه مختلف فقد كان أبا لقبيلة بأكملها، تولى أمرها وانشغل بكل شؤونها مدافعا عن الحق وناصرا للمظلومين، متمردا على قوى الاستعمار.
عاصر الطليان فاعتصرت ذاكرته أشرس المعارك التي خاضها الأجداد وعاش وطأة الاستعمار الفرنسي وكان شاهد عصر على وقائع تلك المعارك فقد كان صغيرا عند بعضها ولم يبلغ أشده بعد ليشارك وينضم إلى صفوف المجاهدين، وبعدما كبر وشد عوده وقوي بدنه شارك في عدة معارك جهادية ولعل أبرزها معركة القرضابية الشهيرة عام 1915 بقيادة المجاهد صفي الدين السنوسي.
في عام 1979 تم اعتماده كشاهد عيان لدى محكمة بن جواد لتسجيل وقائع تلك المعارك الجهادية حيث طلبت منه محكمة بن جواد محل إقامته، وأدلى بالعديد من الحقائق التي وثقت شفهيا لأروع ملاحم بطولات المجاهدين بقيادة المجاهد أحمد سيف النصر والشيخ المجاهد عبدالجليل سيف النصر وهي على غير ترتيب معركة ( أبوهادي، أقار، البريقة، تاقرفت، تسالة، الحشادية، رشاح، الشويرف، عليم الذيب، العويجة، الفاتية، قارة عافية، القرضابية، الكراهب، النوفلية)، خاض عدة معارك جهادية ضد الطليان وهي معركة (تاقرفت، عافية، الشعير، بلل).
تقلد عام 1958 منصب نائب مجلس النواب الليبي بتزكية من العارفين والمنشغلين بأمر السلطة، وأدى دوره النيابي حتى عام 1962م، تفرغ لقبيلته وانصرف عن كل ما يبعده عن متابعة مجريات أحداث أبناء عمومته.
توفي رحمه الله عام 1994م إثر مرض ألم بها، حيث ودعت قبيلة أولاد سليمان عن بكرة أبيها شيخها وانحدرت من المآقي دموع رحمة سائلة بارئها أن يتقبله قبولا حسنا وأن يغفر له ويتجاوز عن سيئاته ويسكنه الجنة.
مقتطف من دراستي حول سيرة الشيخ اذياب لوجلي رحمه الله