بعد انقضاء رمضان… هل قامت الدراما الليبية بواجبها؟
تناولت الانقسام السياسي وتجنيد الأطفال وحرية التعبير والتعليم وفنانوها يطالبون الحكومة بدعمها للمنافسة عربياً
كريمة ناجي
مع إسدال شهر رمضان أستاره، بدأ تقييم الأعمال الدرامية الليبية التي ينتظرها المواطن كل عام، حيث إن الإنتاج الدرامي المحلي يقتصر على رمضان فحسب.
ظهر جلياً انعكاس الاستقرار الأمني والسياسي الذي عرفته ليبيا منذ سنتين على تنوع الأعمال الرمضانية التي غابت خلال أعوام الاقتتال وهجرة الممثلين والفنانين الذين عادوا هذه السنة ليبثوا الروح في الدراما الليبية.
تضمنت المائدة الدرامية في رمضان أعمالاً عدة، في مقدمتها مسلسل “شط الحرية للموسم الخامس” الذي حظي بمتابعة من قبل الليبين وجمهور دول الجوار، و”السرايا”، و”السيرة العامرية”، و”المتاهة”، و”تخاريف”، و”النجدين”، وغيرها من الأعمال التي وإن نجح بعضها في جمع العائلات الليبية حول أحداثها، لكنها لم توفق في ردم التصدعات السياسية بين أبناء البلد الواحد، بل وفشل بعضها، على حد قول السيناريست أحمد التوهامي، في رسم صورة دقيقة عن التاريخ السياسي لليبيا، على غرار عمل “السرايا” للمخرج أسامة رزق، الذي تم تصويره في تونس.
قضايا وانحيازات
من بين الأعمال الرمضانية التي حظيت بمتابعة واسعة في ليبيا مسلسل “شط الحرية 5″، ويفسر التوهامي سبب اكتساحه نسب المشاهدة بأن “الانقسام السياسي ألقى بظلاله على الدراما، والمواطن الليبي وجد في هذا العمل صورة المتحدث الرسمي باسمه”.
يرى التوهامي أن غالبية الشعب الليبي تعيش بين البداوة والحداثة، وهي نقطة نحج العمل في استغلالها، وكان كادر التصوير فيه لا يتعدى خيمة بسيطة، لكن الرسائل التي خرجت منها عميقة، على غرار نقده واقع الانقسام السياسي على أبناء البلد الواحد.
ويتابع “الوضع السياسي فرض نفسه حتى على أجندة المشاهدة لدى المواطن الليبي، وليس على الإنتاج فقط، فعلى سبيل المثال نجح مسلسل (السرايا) التاريخي في دعم فريق سياسي واحد، وهو القطب الغربي، على حساب القطب الشرقي بسبب التمويل الذي حصل عليه فريق الإنتاج من الغرب”، مؤكداً أن “الدراما الرمضانية نجحت هذا الموسم في التطرق إلى قضايا تتعلق بحرية الرأي والتعبير والتعليم، وبخاصة إهمال النشاط الفني وتأثير الانقسام السياسي، وغيرها”.
عقبات وطموح
لكن الدراما الرمضانية الليبية غابت عن الشاشات العربية، ويوضح التوهامي أن “العامل الأساس يعود إلى غياب المنافسة بسبب قلة التمويل الحكومي”، متسائلاً “كيف لأعمال فنية لم تنجح في إقناع الجمهور المحلي بها أن تنتشر عربياً؟ زد على ذلك فإن مسألة الخروج من جلباب المحلية نحو الأسواق العربية تحكمها شروط تقنية وفنية غائبة تماماً عن الأعمال الدرامية الليبية، على غرار عدد الحلقات ودقة اللهجة المحلية، فعمل (السرايا) مثلاً لهجته الطرابلسية القديمة غير صحيحة بسبب عدم تمكن بعض الفنانين العرب المشاركين فيه من التدرب وقتاً كافياً على اللكنة الليبية”.
ويتابع أنه “لا يمكن لأحد إنكار أن بعض الأعمال الليبية تحظى بمتابعة في دول الجوار على غرار تونس التي يتابع كثير من مواطنيها حلقات من (شط الحرية) في موسمه الخامس، لكن هذا ليس كافياً لانتشاره عربياً، فاقتحام هذه الأسواق يتطلب في الأقل 20 سنة من الإنتاج الدرامي المتواصل حتى يتشبع الجمهور المحلي بالأعمال المحلية وتنتشر في ما بعد عربياً”.
وينوه السيناريست إلى أن “الانتشار عربياً يحتاج إلى تمويل متواصل للإنتاج الدرامي الذي لن ينحج إلا في ظل ميزانية ثابتة لا تتأثر بتغير الحكومات، لأن الدراما هي الإرث التاريخي الذي سيقف شاهداً مستقبلاً على الحقبات السياسية والثقافية والاجتماعية التي عرفها أي بلد”.
وطالب التوهامي السلطات الليبية المعنية بضرورة الإسراع في إنشاء صندوق دعم للدراما تشرف عليه الدولة من دون أن تحتكر إدارته، إذ يجب أن تكون مشتركة بين الدولة والنقابات الفنية لمدة لا تقل عن 20 سنة، لأن القفز إلى المستوى العربي لا يتم في مدة قصيرة، بل يتطلب استمرارية في الإنتاج طيلة العام، وليس في الموسم الرمضاني فحسب، حيث واجه هو الآخر عجزاً هذه السنة في تغطية مساحته بسبب ضعف التمويل المرصود للإنتاج، مما انعكس على عدد الأعمال الدرامية الرمضانية التي أتت أقل من العام الماضي”.
صعد المنافسة
التوهامي دعا السلطات المعنية إلى الاقتداء بالتجربتين الكويتية والسورية لعبور معوقات التمويل، حيث عملت حكومة دمشق على توفير جميع المعدات التقنية والفنية للمنتجين لتصوير الأعمال التلفزيونة على حساب الدولة، وهو أمر غير متاح في ليبيا.
وقال إنه “إذا أرادت الدولة الليبية المحافظة على إرثها الثقافي يجب أن توجه نظرها صوب تبني التجربة الكويتية، لأن القطاع الخاص في ليبيا ضعيف ولا يمكنه تغطية ولو جزء بسيط من الإنتاج الدرامي وحده، مما يفرض إنشاء صندوق دعم الدراما الليبية، الذي لن تتجاوز كلفته مليون دولار أميركي، وذلك لحماية شبابنا من التأثر بالغزو الفكري والثقافي وإنقاذ الدراما الليبية من الاضمحلال والتوقف بسبب الأزمة السياسية”.
يتفق الممثل والمخرج توفيق الفيتوري مع الطرح الذي ذهب إليه التوهامي بخصوص العامل الأساسي الذي يقف وراء غياب الدراما الليبية عن الشاشات العربية. ويقول إنه تابع “النجدين” و”شط الحرية” اللذين أزاحا مسلسل “السرايا” من عرش المنافسة هذه السنة، فعلى رغم التمويل الضخم المرصود له فإن التصوير خارج البلد أفقده روح الوطنية”.
يقول الفيتوري إن الدراما الليبية متراجعة على صعيد المنافسة العربية بسبب ضعف التسويق، وعدم الالتزام بالشروط الفنية التي تفرضها الأسواق العربية على غرار عدد الحلقات ومدتها الزمنية ومعايير التصوير المعتمدة.
رعب وأكشن
يقول الصحافي المتتبع للشأن الفني حسين بوشعالة إن هذا الموسم الرمضاني شهد تنوعاً في الأعمال بين القديمة التي واصلت الظهور في أجزاء جديدة على غرار “السرايا” و”السيرة العامرية” و”شط الحرية”، وأخرى جديدة في ثوب “الأكشن والرعب”، وهي زوايا تعالجها الدراما الليبية لأول مرة، وحملنا إليها كل من “تخاريف” و”النجدين”، وهي أعمال ظهرت بمستوى فني يمكنها من خوض غمار المنافسة عالمياً، على حد قوله.
يعتقد أبو شعالة أن مسلسل “المتاهة” نجح في معالجة قضية الدواعش، وخصوصاً تسليطه الضوء على تجنيد الأطفال، مؤكداً أن “الدراما الرمضانية شهدت هذه السنة تنوعاً وانفتاحاً على قوالب فنية مغايرة، على غرار الأكشن، أخرجتنا من رتابة الانحصار في الطابع الكوميدي والتاريخي والاجتماعي”.