رأي (11)
■ محمود السوكني
رموز ونجوم
في سجل العمر
بدأت على بركة الله موظفاً في إدارة الإعلام الخارجي بوزارة الخارجية التي كان وزيرها السيد اعبدالمنعم الهونيب ووكيلها أستاذي الفاضل اأبوزيد عمر دوردةب الذي كان هو الوزير الفعلي في غياب الوزير الأصلي الذي كان خارج الوطن طيلة فترة عملي بالوزارة بسبب -كما يشيعون – خلافه مع معمر القذافي. الأستاذ ا أبوزيد عمر دوردة ا كان أستاذاً لي في مرحلة الدراسة الإعدادية في مدرسة طرابلس الإعدادية بشارع المأمون بمدينة طرابلس وكان شديداً في تعامله مع الطلاب عنيفاً في مواجهته لطيشنا الذي كان سمة مرحلة الصبا ونزق الشباب وعنفوانه ، ولأن شدته تحول دون وصول مايحاول تلقينه لنا من علوم – أو هكذا اشعنا – إجتمع رأينا نحن طلبة الفصل الذي يدرسه على أن نشكوه إلى الأستاذ الفاضل ا أحمد الرعوبي ا الذي كان مديراً للمدرسة في ذاك الوقت ، فقام جراء ذلك بتغييره بمدرس آخر وتكليفه مشرفاً على الفصول،وليته مافعل فقد تصادف ذات مرة أن طردني أحد المدرسين خارج الفصل ليتلقفني أستاذنابأبوزيدب ويقتادني إلى الإدارة بعد أن صفعني صفعة بقي صداها في أذني حتى وقت قريب ! الأستاذ اأبوزيد عمر دوردةب لمن لا يعرفه كان على شدّته رجلاً صارماً ذو مواقف ثابته لايحيد عنها ، وكان ذو إتجاه قومي محباً لعروبته مؤمناً بحتمية إنتصار هذه الأمة يوماً ما ، وهذا ما ادركته بعد ذلك عندما إنخرطت في العمل الصحفي وتأكد لدي هذا اليقين عندما عملت في وزارة الخارجية التي كانت -كما اسلفت- تدار بتعليماته وبناءً على توجيهاته . كان العمل في إدارة الإعلام الخارجي ممتعاً إذ يتيح فرصة اللقاء بوجوه إعلامية عربية وأجنبية نسمع عنها أو نقرأ لها أو نتابعها ولكننا لا نتوقع أن نلتقيها وجهاً لوجه ونتعامل معها رأساً دون حواجز .
كانت ليبيا قبلة لمختلف وسائل الإعلام الأجنبي فهي مكمن للأخبار ومصدر لها لما تحوزه من إهتمام ومايصدر عنها من تصريحات أو افعال مثيرة تجذب رجال الإعلام الذين تستهويهم مناكفات النظام ومشاغباته ومفاجاته التي لاتنتهي . في إدارة الإعلام الخارجي تمتعت بحرية الحركة إذ أن مرافقة الوفود الإعلامية يتطلب التنقل بين الإدارة وإقامة الوفود والأماكن التي يرغبون في زيارتها وكذلك التي حددت لهم لمقابلة بعض المسئولين وأذكر أنني صحبة وفد من قناة .B.B.C الإنجليزية وفيها الإذاعي الشهير اكريشناب تنقلنا خلف رتل معمر القذافي من مدينة غريان إلى أن وصلنا مدينة بنغازي وفي كل مرة كنا نوعد بإجراء المقابلة ولا تجرى وقد تحينت الفرصة ذات وقفة للرتل لتناول وجبة الغذاء لأنسل بين المحيطين به واواجهه على مائدة غذائه لأشرح أهمية أن تجرى المقابلة لإرتباطات مسبقة لوفد القناة ولأنهم -وهذا المهم- كانوا يلتقطون طيلة الرحلة مناظر مؤذية صادفوها تعطي إنطباعاً سيئاً عن بلادنا ، كنت أقول هذا بحرقة وأتجنب النظر للسيد اخليفة حنيشب الذي كان بجواره وهو يرمقني بنظرات نارية تنذر بعواقب وخيمة ، لم يرد واكتفى بإبتسامة فيما إنسحبت أجر أذيال الخيبة ! في مدينة بنغازي وبعد ليلتين قضيتها والوفد الإنجليزي الشهير في الفندق جاءني المذيع في الليلة الثالثة ليخبرني بأنه مضطر للسفر صباحاً لإرتباطه بموعد مسبق لإجراء لقاء مع الإمبراطور الأثيوبي ا هيلاسي لاسيب وأنه رغم فشله في إجراء اللقاء لكنه سعيد بالزيارة وبما اكتسبه من هذه الرحلة (!) جن جنوني وشعرت عندها بأنني ايضاً قد فشلت رغم محاولاتي المستميتة اعدت الإتصال بمقر القيادة في بنغازي والححت في الطلب خاصة وأن الوفد سيغادرنا مستاءً ومغتاظاً من فشله وإضاعة وقته فيما تنتظره أثيوبيا وأمبراطورها بترحاب وحسب الموعد المحدد ، وبيننا وبين ذاك الإمبراطور -في ذلك الوقت- ماصنع الحداد ، كان اليأس قد دب في كياني عندما سمعت عامل استقبال في الفندق ينادي على اسمي للتوجه إلى الإستعلامات اتجهت من فوري حيث هاتفني (أحدهم) ليعلمني بأن السيارة في طريقها إلى الفندق لنقلنا إلى القيادة لإجراء اللقاء .