السجلات الطبية وأهميتها
السجلات الطبية من الوثائق الهامة جدًا للفرد الصحيح والسليم وللمريض والطبيب والمستشفى وللنظام الصحي وللتخطيط والسياسات وللبحوث والدراسات وللتعليم الطبي ولتقييم مقدمي الخدمات الصحية ولمتلقيها ، وفي الكوارث الطبيعية والأزمات الصحية وفي الصراعات والحروب ، وفي الاقتصاد والتنمية ، وللدولة والأمة ولكل الأجيال ، وعَرف الإنسان السجلات الطبية من قدم الطب ، منذ عرف الإنسان توثيق أفكاره ومشاهداته وملاحظاته ، منذ العصر الحجري حيث وجدت على جدران الكهوف ، وفي الطب المصري القديم على جدران المعابد وقبور الموتى موثقة البيانات والمرض ، وعلى أوراق البردي كبردية سميث التي تصف 48 حالة منها الجروح والتقيحات والكسور والأورام ومبينة بها التشخيص المبدئي والفحص والأعراض المشتركة بين الأمراض ، والتشخيص النهائي والعلاجات ،
وبردية إيبرس يقال انها في زمن النبي موسى في مدينة هليوبوليس احدى المدارس الطبية المصرية القديمة والتي كان من بينها عين شمس وطيبة وممفيس ، وتحتوي على 811 وصفة طبية ، ووصف دقيق لجسم الانسان وغيرها من برديات اخرى كثيرة تعني بالتوثيق الطبي
، وفي عهد أبقراط وجالينوس أستخدموا أعمدة المعابد وورق البردي ، وازدهر استخدام التوثيق والسجلات الطبيه مع العصر الاسلامي بدءًا من الترجمة ، ومع تشييد المستشفيات على أسس صحيحة التي لازال قائم عليها فكر تخطيط وبناء المستشفيات الى يومنا هذا ، والتي تميزت باختيار الاماكن الصحية والتنظيم الداخلي وفق التخصصات ، وتجمع بين التعليمي والعلاجي ، وبها مكتبات وقاعات التدريس وفنون الصيدلة وتحضير الأدوية ، والتدوين للمشورة والنقاشات الطبية ، وكتابة الوصفات وملاحظات الأطباء وتاريخ المرض وبيانات المرضى ، وبعدها بقرون بداء العمل بالسجلات الطبية في القرن السابع عشر في مستشفى بإنجلترا واخر بامريكا ، وكان يدون اسم المريض وعنوانه والمرض والعلاج وتاريخ الدخول والخروج ..
واستخدم بعدها آلية الكشاف للمريض ، ثم تلاه الفهرس البطاقي ، ومع بداية القرن العشرين بداء انتشار المستشفيات وتقديم الخدمات الطبية بها ، وبعد تأسيس الهيئة الامريكية للإعتماد في عام 1952 وضعت معايير خاصة بالسجلات الطبية وتطورت المعايير والان معظم دول العالم تملك معايير خاصة بها وتتسابق في تحديثها بما يضمن اعلى درجات الجودة التي تحقق السرية والحماية ودقة البيانات واكتمالها وسهولة الوصول إليها واستخدامها وفق المتطلبات الطبية والقانونية والادارية والخصوصية ، ولما لاهميتها للجان الجودة وسلامة المرضى ومكافحة العدوى ولجان المضاعفات والوفيات والدخول والخروج وإعادة الدخول ، وللإحصائيات والإجراءات الإدارية والمالية والحسابات والمراجعات ، ولهذا يخصص لها بالهيكلية ادارة خاصة بالسجلات الطبية تقوم بالتخطيط والتوجيه والتنظيم والأنشطة المتعلقة بإدارة وصيانة واستخدام السجلات الطبية لتحقيق التوثيق الكامل الذي يتماشى مع السياسات والاجراءات والقوانين المعتمدة للرعاية الصحية ..
وتطورت السجلات الطبية من اوراق وحوافظ وملفات إلى سجلات الكترونية ساعدت في تحسين الخدمات ، وسهولة الوصول للمعلومات ودقة البيانات ، وخففت الاعباء عن العاملين ، وسهلت الأثمنة وأتاحت المشاركة مع الجهات ذات العلاقة بما يخدم المرضى والنظام الصحي ، ومع تطور التكنولوجيا الطبية في التشخيص والعلاجات ، تطورت تكنولوجيا المعلومات في الرعاية الصحية ، والصحة الرقيمة وزاد التركيز على تمحور الرعاية الصحية حول الفرد ، لبناء نظم صحية قوية متماسكة مستمرة ومستقرة ، وتخصيص الموارد المالية والبشرية والبنى التحتية وتخطيط الخدمات الصحية الفعلية المبنية على المعلومات والبيانات الديموغرافية والسكانية والمؤشرات الصحية الحقيقية ، والأمراض وانواعها ونسبها وتوزيعها ، واذا توفرت البنية التحتية الكاملة للسجلات الطبية بالمعايير الصحيحة المعتمدة ، والقوى العاملة المؤهلة والمدربة لذلك ، وباستخدمات الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية سوف تتحقق قفزات نوعية كبيرة جدا لصالح صحة المجتمع ، وتنعكس على مخرجات النظام الصحي التي تحقق نتائج ايجابية أفضل بإمكانيات وموارد أقل مما كانت عليه ، وبجودة خدمات صحية عالية ، وللاسف لا يوجد ببلادنا سجلات طبية متكاملة تغطي الجوانب الشخصية والعائلية والطبية والإدارية والقانونية والمالية ( مهمة جدا بالقطاع العام والخاص والتأمين الطبي ) ..
ونظرا للجوء المرضى للخدمات الصحية بالقطاع الخاص ، وسفر نسبة كبيرة من المرضى للخارج يساهم في غياب كل البيانات والمعلومات الصحية عن النظام الصحي ، ولهذا تغيب البيانات والمعلومات الصحيحة عن صحة المجتمع ، مع العلم ان الولادات تتم بالمستشفيات والتطعيمات تعطى للجميع والكل يدخل المدارس ، والوفيات معظمها بالمستشفيات ولا يتم الدفن بدون شهادات صحية ، وكأننا أمةً مؤقتة في بلد مؤجرة ، مع إننا فيها منذ قرون ، وبها الى يوم الدين باقون ، وعلى أرضها نعيشون وفي باطنها ندفنون …
ولذلك لن تكون هناك رؤى وإستراتيجيات وخططً وبرامج للصحة ، وسوف يستمر العبث وتفتيت النظام الصحي والتدخلات العشوائية ، وسوف تزداد الأمراض وتتضخم تكاليف العلاج ، وتنعكس على تدهور صحة الأمة وانعدام الرفاه الاجتماعي والاقتصادي ، ولن تتحقق التنمية المستدامة بدون سجلات طبية متكاملة في نظام صحي موحد وقوي …