ألم المرض وألم التجربة

المرض هو الدخول في صراع من أجل الحياة ، وهو صراع مع المرض نفسه ومع الظروف المحيطة والتحديات النفسية والاجتماعية والاقتصادية التي ترافق التجربة ، تجربة المرض ليست مجرد ألم جسدي بل رحلة معقدة أشد قسوة من أوجاع المرض نفسه بسبب العوامل التي ترافق المريض طيلة مسيرة الرحله مع المرض والتي تبداء بالخدمات الصحية المفقودة أو المنقوصة ، وغياب التشخيص الدقيق والعلاج الناجع والموثوق ، وغياب الطبيب الإنسان الماهر ، ويتزامن مع فقدان الوظيفة وعدم القدرة على العمل ، والعجز أمام التزامات الحياة ، والتجربة المؤلمة يتأثر بها المريض العائل أو ولي الأمر أن كان أب وأم أو أخ وأخت أو إبن وإبنة أو أي من الأقارب الذين عليهم حق الرعاية ، والعاطل عن العمل ، إن المرض يزلزل الإنسان من لحظة الإصابة وحصار الوجع والخوف والقلق والتوتر والضعف والحزن والاحباط والعزلة ، ومع رحلة التشخيص والعلاج والمتابعة ، وهل المرض مؤقت وقابل للشفاء والقدرة على استعادة الحياة لطبيعتها ، أو مزمن يستمر ما استمرت الحياة ، أو غير قابل للشفاء ويحتاج للتكيف والتأقلم مع الواقع المستجد وما يترتب عليه من تطورات ، تزداد مشاق والآم التجربة مع عدم القدرة على الوصول لخدمات صحية متكاملة ذو جودة عالية وسهولة الحصول عليها دون إرهاق مادي ومعنوي ونفسي واجتماعي ، مع عدم وجود قوانين تحفظ له العمل أو تحيله لما هو أكثر مرونة وبساطة تتناسب والحالة الصحية ، وتتجاذبه اسواق صحية متوحشة بلا رحمة ، في فوضى التشخيصات المختلفة والمغايرة والمنقوصة ، والعلاجات الغير مأمونة علميا وطبيا ومهنيا ، وعدم القدرة على الحصول على الدواء لفقداته أو لارتفاع التكلفة أو لعدم ضمان الجودة ، والمريض وأهله بين نارين توفير العلاج أو احتياجات الأسرة وتدبير المعيشة ، ويواجه الاغلبية عدم القدرة على السفر لتلقي العلاج في بلدان متقدمة طبيا ، مما يزيد من الإحساس بالعجز والخذلان وعدم المساواة وغياب العدالة ، وللأسف ما يزيد من ألم التجربة هو تبخر من كانوا قريبين ( أهل – أقارب – أصدقاء – زملاء وغيرهم ) ويتخلى معظم المحيطين ، وتزداد آلام العزلة وهي أشد قسوة من المرض ، في هذه الحالات والتي يمر بها معظم المرضى تتراكم الديون عليهم وعلى أسرهم المرتبطين بهم ، ومعظمهم يفقد الاستقرار المادي ، مع غياب شبكات الحماية الاجتماعية ، إن ألم المرض صعب ولكن ألم تجربة المرض أصعب في مجتمع غير داعم ، ونظام صحي منهار ، وحماية وامان اجتماعي واقتصادي رسمي مفقودين ، إن الصراع مع المرض ليس فقط مقاومة جسدية بل معركة شاملة مع الظروف والواقع المرير ، وأحيانا كثيرة يكون المرض محتمل إذا توفر الدعم المادي والمعنوي والنفسي ، وبالإمكان التأقلم مع المرض المزمن والمستعصي إذا شعر الإنسان أنه ليس وحده وهو مكفول اجتماعيا ورسميا ومحفوظ الكرامة ، مما يحفزه على تحمل الآلام ويجعله أكثر التزام بالعلاج ومواجهة التغيرات التي يفرضها المرض ، إن الدعم الاجتماعي والنفسي يمنحون المريض القوة والقدرة على الاستمرار وتعزيز قواه الداخلية والإيمان بأن الحياة تستحق المحاولة رغم كل شئ ، ويكون ألم المرض والتجربة أخف في حال قيام الصحة بدورها في التوعية والتثقيف حول الأمراض والوقاية منها والتعامل معها ، وتوفير خدمات تشخيصية وعلاجية وتأهلية عالية الجودة ، وتكتشف الأمراض وتمنعها قبل حدوثها ، مع التوفير والتطوير المستمر للعلاجات الحديثة التي تحقق النتائج المرجوة كما يتمناها الناس ، تزيل أوجاعهم وأحزانهم وقلقهم ومخاوفهم ، ولا تنقص من أجسادهم ، ولا تقل من جودة حياتهم ، وتحقق لهم العافية والرفاه ، إن الطب مهنة إنسانية نبيلة أبعد من منع ومكافحة الأمراض ، وأعمق من تخفيف الآلام ، وأكثر من السند ، ولا يجب أن يكون غير ذلك أو أقل من ذلك ، حتى لا نفقد انسانيتنا وآدميتنا وقيمنا النبيلة ،
لا شئ يعوض الصحة ..
د.علي المبروك أبوقرين