حلقة مفاتيح
مفتاح العمّاري
فضائل الحمقى
أليس الكاتب ما يكتب؟ أي هو نصه، كضرب من التفاعل الذي يُعول عليه وينبغي رصده والتنبه إلى مستويات تأثيره وفاعليته وخدمة متطلباته، كعملية تكفل شرط المعنى بوصفه قيمة ترتبط بالمعرفة والوجدان، وأنه أي الكاتب يستمد صفته ويتبوأ موقعه في المشهد الثقافي من مكرمة هذه المزاولة بكل ما تتضمنه من منجز يثري مخزن ارثنا وهويتنا. لماذا إذاً نشوه بداهة هذه الحقيقة ونعتدي على بساطتها؟ حين نجعلها أكثر تعقيدا؛ لتنقلب الأمور في عرفنا كليبيين؛ فنعوّل على حضور شخص الكاتب ممثلا في جسده، لا نصه؛ بل ذهب المسؤلون في مؤسساتنا الثقافية والإعلامية إلى ما هو أنكى وأشر، طالما أهواؤهم تتواطأ مع ضرورة حضور شخص الكاتب إلى مكاتبهم ومحافلهم وأروقتهم وخيامهم ومناسباتهم الاجتماعية، كضرب من تقديم الولاء لشخصهم. كما لو أن القيمين على شؤون الثقافة والإعلام عندنا لا يقرؤون؛ وبالأحرى لا يعيرون أية أهمية للنص بقدر تشبثهم بالوصفة الاجتماعية لنشاط شخص الكاتب في الملمات، تبعا لبراعته في فن الثرثرة لا الكتابة. وعوض تكريم النص والاعتراف بفاعلية الكتابة، يغدو الإسفاف وحده معيارا. فماذا لو أن الكاتب الحاضر بنصه عليل الجسد، أو هو عفيف النفس ينأى بنفسه عن عادات التمسح بعتبات المسئولين وشرب القهوة في مكاتبهم وكيل المديح لمناقبهم المزيفة وتجميل قبحهم، أو هو من ذلك الرهط الحريص على أهمية الوقت الذي ينبغي الحذر من حدّته،(حسب وصية التوحيدي)، خشية هدره في مجالس اللغو. وسواء أكان يتصف بإحدى هذه المزايا التي ينظر إليها كمثالب، أو يختزلها جميعا؛ لا يحق من ثم معاقبة النص، بإقصائه خارج الدائرة والتفنن بدهاء في حجبه وتعتيمه إعلاميا، ناهيك عن حرمانه من استحقاق المشاركة في المحافل الخارجية.
لا ريب أني خلال مسيرتي الشخصية، قد كابدت العديد من هكذا ممارسات مجحفة ووضيعة؛ لأسباب كثيرة من بينها أني من دعاة الفصل بين العلاقة الشخصية والوظيفة، واعتبار المسؤول أيّا كان منصبه، موظفا في الدولة؛ لا مالكا لها. لهذا دفعت، ولا زلت أدفع ثمنا باهظا. وكانت هذه المثلبة من بين فضائل حماقاتي، حماقاتي التي أفتخر بها.